فصل: ذكر قصد صاحب مراغة وصاحب إربل أذربيخان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية:

قد ذكرنا مكاتبة الحسين بن خرميل، والي هراة، خوارزم شاه، ومراسلته في الانتماء إليه والطاعة له، ترك طاعة الغورية، وخداعه لغياث الدين، ومغالطته له بالخطبة له والطاعة، انتظاراً لوصول عسكر خوارزم شاه، ووصول رسول غياث الدين وابن زياد بالخلع إلى ابن خرميل، فلما وصلت الخلع إليه لبسها هو وأصحابه، وطالبه رسول غياث الدين بالخطبة، فقال: يوم الجمعة نخطب له.
فاتفق قرب عسكر خوارزم شاه منهم، فلما كان يوم الجمعة قيل له في معنى الخطبة، فقال: نحن في شغل أهم منها بوصول هذا العدو، فطالت المجادلات بينهم في ذلك، وهو مصر على الامتناع منها، ووصل عسكر خوارزم شاه، فلقيهم ابن خرميل، وأنزلهم على باب البلد، فقالوا له: قد أمرنا خوارزم شاه أن لا نخالف لك أمراً؛ فشكرهم على ذلك؛ وكان يخرج إليهم كل يوم، وأقام لهم الوظائف الكثيرة.
وأتاه الخبر أن خوارزم شاه نزل على بلخ فحاصرها، فلقيه صاحبها، وقاتله بظاهر البلد، فلم ينزل بالقرب منها، فنزل على أربعة فراسخ، فندم ابن خرميل على طاعة خوارزم شاه، وقال لخواصه: لقد أخطأنا حيث صرنا مع هذا الرجل، فإنني أراه عاجزاً.
وشرع في إعادة العسكر، فقال للأمراء: إن خوارزم شاه قد أرسل إلى غياث الدين يقول له: إنني على العهد الذي بيننا، وأنا أترك ما كان لأبيك بخراسان؛ والمصلحة أن ترجعوا حتى ننظر ما يكون. فعادوا، وأرسل إليهم الهدايا الكثيرة.
وكان غياث الدين حيث اتصل به وصول عسكر خوارزم شاه إلى هراة، فأخذ إقطاع ابن خرميل وأرسل إلى كرزبان وأخذ كل ما له بها من مال. وأولاد، ودواب، وغير ذلك. وأخذ أصحابه في القيود، وأتاه كتب من يميل إليه من الغوية يقولون له: إن رآك غياث الدين قتلك.
ولما سمع أهل هراة بما فعل غياث الدين بأهل ابن خرميل وماله عزموا على قبضه والمكاتبة إلى غياث الدين بإنفاذ من يتسلم البلد، وكتب القاضي صاعد، قاضي هراة، وابن زياد إلى غياث الدين بذلك؛ فلما سمع ابن خرميل بما فعله غياث الدين بأهله، وبما عزم عليه أهل هراة، خاف أن يعاجلوه بالقبض، فحضر عند القاضي، وأحضر أعيان البلد، وألان لهم القول، وتقرب إليهم، وأظهر طاعة غياث الدين، وقال: قد رددت عسكر خورازم شاه، وأريد أن أرسل رسولاً إلى غياث الدين بطاعتي، والذي أوثره منكم أن تكتبوا معه كتاباً بطاعتي. فاستحسنوا قوله، وكتبوا له بما طلب، وسير رسوله إلى فيروزكوه، وأمره، إذا جنه الليل، أن يرجع على طريق نيسابور يلحق عسكر خوارزم شاه ويجد السير فإذا لحقهم ردهم إليه.
ففعل الرسول ما أمره، ولحق العسكر على يومين من هراة، فأمرهم بالعود، فعادوا، فلما كان اليوم الرابع من سير الرسول وصلوا إلى هراة والرسول بين أيديهم، فلقيهم ابن خرميل، وأدخلهم البلد والطبول تضرب بين أيديهم، فلما دخلوا أخذ ابن زياد الفقيه فسلمه، وأخرج القاضي صاعداً من البلد، فسار إلى غياث الدين بفيروزكوه، وأخرج من عنده من الغورية، وكل من يعلم أنه يريدهم، وسلم أبواب البلد إلى الخوارزمية.
وأما غياث الدين فإنه برز عن فيروزكوه نحو هراة، وأرسل عسكراً، فأخذوا حشيراً كان لأهل هراة، فخرج الخوارزمية، فشنوا الغارة على هراة الروذ وغيرها، فأمر غياث الدين عسكره بالتقدم إلى هراة، وجعل المقدم عليهم علي بن أبي علي، وأقام هو بفيروزكوه لما بلغه أن خوارزم شاه على بلخ، فسار العسكر وعلى يزكه الأمير أميران بن قيصر الذي كان صاحب الطالقان، وكان منحرفاً عن غياث الدين حيث أخذ منع الطالقان، فأرسل إلى ابن خرميل يعرفه أنه على اليزك، ويأمره بالمجيء إليه، فإنه لا يمنعه، وحلف له على ذلك.
فسار ابن خرميل في عسكره، فكبس عسكر غياث الدين، فلم يلحقوا يركبون خيولهم حتى خالطوهم، فقتلوا فيهم، فكف ابن خرميل أصحابه عن الغورية خوفاً أن يهلكوا، وغنم أموالهم وأسر إسمعيل الخلجي، وأقام بمكانه، وأرسل عسكره فشنوا الغارة على البلاد باذغيس وغيرها.
وعظم الأمر على غياث الدين، فعزم على المسير إلى هراة بنفسه، فأتاه الخبر أن علاء الدين، صاحب باميان، قد عاد إلى غزنة على ما نذكره، فأقام ينتظر ما يكون منهم من الدز.
وأما بلخ فإن خوارزم شاه لما بلغه قتل شهاب الدين أخرج من كان عنده من الغوريين الذين كان أسرهم في المصاف على باب خوارزم، فخلع عليهم، وأحسن إليهم، وأعطاهم الأموال، وقال: إن غياث الدين أخي، ولا فرق بيني وبينه، فمن أحب منكم المقام عندي فليقم، ومن أحب أن يسير إليه فإنني أسيره، ولو أراد مني مهما أراد نزلت له عنه.
وعهد إلى محمد بن علي بن بشير، وهو من أكابر الأمراء الغورية، فأحسن إليه، وأقطعه استمالة للغورية، وجعله سفيراً بينه وبين صاحب بلخ، فسير أخاه علي شاه بين يديه في عسكره إلى بلخ، فلما قاربها خرج إليه عماد الدين عمر بن الحسني الغورية أميرها، فدفعه عن النزول عليها، فنزل على أربعة فراسخ عنها، فأرسل إلى أخيه خوارزم شاه يعلمه قوتهم، فسار إليها في ذي القعدة من السنة، فلما وصل إلى بلخ خرج صاحبها فقاتلهم، فلم يقو بهم لكثرتهم، فنزلوا فصار يوقع بهم ليلاً، فكانوا معه على أقبح صورة، فأقام صاحب بلخ محاصراً وهو ينتظر المداد من أصحابه أولاد بهاء الدين، صاحب باميان، وكانوا قد اشتغلوا عنه بغزنة على ما نذكره.
فأقام خوارزم شاه على بلخ أربعين يوماً، كل يوم يركب إلى الحرب، فيقتل من أصحابه كثير، ولا يظفر بشيء، فراسل صاحبها عماد الدين مع محمد بن علي بن بشير الغوري في بذل بذله له ليسلم إليه البلد، فلم يجبه إلى ذلك، وقال: لا أسلم البلد إلا إلى أصحابه؛ فعزم على المسير إلى هراة، فلما سار أصحابه أولاد بهاء الدين، صاحب باميان، إلى غزنة، المرة الثانية، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وأسرهم تاج الدين الدز، عاد عن ذلك العزم، وأرسل محمد بن علي بن بشير إلى عماد الدين نائبه يعرفه حال أصحابه وأسرهم، وأنه لم يبق عليه حجة، ولا له في التأخر عنه عذر. فدخل إليه، ولم يزل يخدعه تارة يرغبه، وتارة يرهبه، حتى أجاب إلى طاعة خوارزم شاه والخطبة له، وذكر اسمه على السكة، وقال: أنا أعلم أنه لا يفي لي؛ فأرسل من يستحلفه على ما أراد، فتم الصلح، وخرج إلى خوارزم شاه، فخلع عليه، وأعاده إلى بلده، وكان سلخ ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة.
ثم سار خوارزم شاه إلى كرزبان ليحاصرها، وبها علي بن أبي علي، وأرسل إلى غياث الدين يقول: إن هذه كان قد أقطعها عمك لابن خرميل، فتنزل عنها؛ فامتنع، وقال، بيني وبينكم السيف؛ فأرسل اله خوارزم شاه مع محمد بن علي بن بشير فرغبه، وآيسه من نجدة غياث الدين، ولم يزل به حتى نزل عنها وسلمها، وعاد إلى فيروزكوه، فأمر غياث الدين بقتله، فشفع فيه الأمراء، فتركه، وسلم خوارزم شاه كرزبان إلى ابن خرميل. ثم أسل إلى عماد الدين، صاحب بلخ، يطلبه إليه، ويقول: قد حضر مهم ولا غنى عن حضورك، فأنت اليوم من أخص أوليائنا؛ فحضر عنده، فقبض عيه وسيره إلى خوارزم، ومضى هو إلى بلخ، فأخذها واستناب بها جعفراً التركي.

.ذكر ملك خوارزم شاه ترمذ وتسليمها إلى الخطا:

لما أخذ خوارزم شاه مدينة بلخ سار عنها إلى مدينة ترمذ مجداً، وبها ولد عماد الدين كان صاحب بلخ، فأرسل إليه محمد بن بشير يقول له: إن أباك قد صار من أخص أصحابي وأكابر أمراء دولتي، وقد سلم إلى بلخ، وإنما ظهر لي منه ما أنكرته، فسيرته إلى خوارزم مكرماً محترماً، وأما أنت فتكون عندي أخاً.
ووعده، وأقطعه الكثير، فخدعه محمد بن علي، فرأى صاحبها أن خوارزم شاه قد حصره من جانب والخطا قد حصره من جانب آخر، وأصحابه قد أسرهم الدز بغزنة، فضعف نفسه، وأرسل من يستحلف له خوارزم شاه، فحلف له، وتسلم منه ترمذ وسلمها إلى الخطا، فلقد اكتسب بها خوارزم شاه سبة عظيمة، وذكراً قبيحاً في عاجل الأمر؛ ثم ظهر للناس، بعد ذلك، أنه إنما سلمها إليهم ليتمكن بذلك من ملك خراسان، ثم يعود إليهم فيأخذها وغيرها منها، لأنه لمتا ملك خراسان وقصد بلاد الخطا وأخذها وأفناهم علم الناس أنه فعل ذلك خديعة ومكراً، غفر الله له.

.ذكر عود أولاد صاحب باميان إلى غزنة:

قد ذكرنا قبل وصول الدز التركي إلى غزنة، وإخراجه علاء الدين وجلال الدين ولدي بهاء الدين سام، صاحب باميان، منها، بعد أن ملكها، وأقام هو في غزنة من عاشر رمضان سنة اثنتين وستمائة إلى خامس ذي القعدة من السنة، يحسن السيرة، ويعدل في الرعية، وأقطع البلاد للأجناد، فبعضهم أقام، وبعضهم سار إلى غياث الدين بفيروزكوه، وبعضهم سار إلى علاء الدين، صاحب باميان، ولم يخطب لأحد، ولا لنفسه، وكان يعد الناس بأن رسولي عند مولاي غياث الدين، فإذا عاد خطبت؛ ففرح الناس بقوله.
وكان يفعل ذلك مكراً وخديعة بهم وبغياث الدين، لأنه لو لم يظهر ذلك لفارقه أكثر الأتراك وسائر الرعايا، وكان حينئذ يضعف عن مقاومة صاحب باميان، في العساكر الكثيرة، وأنهم قد عزموا على نهب غزنة، واستباحة الأموال والأنفس، فخاف الناس خوفاً شديداً، وجهز الدز كثيراً من عسكره وسيرهم إلى طريقهم، فلقوا أوائل العسكر، فقتل من الأتراك جماعة، وأدركهم العسكر، فلم يكن لهم قوة بهم، فانهزموا، وتبعهم عسكر علاء الدين يقتلون ويأسرون، فوصل المنهزمون إلى غزنة، فخرج عنها الدز منهزماً يطلب بلده كرمان، فأدركه بعض عسكر باميان، نحو ثلاثة آلاف فارس، فقاتلهم قتالاً شديداً، فردهم عنه، وأحضر من كرمان مالاً كثيراً، وسلاحاً، ففرقه في العسكر.
وأما علاء الدين وأخوه فإنهما تركا غزنة لم يدخلاها، وسارا في أثر الدز، فسمع بهم، فسار عن كرمان، فنهب الناس بعضهم بعضاً، وملك علاء الدين كرمان، وأمنوا أهلها، وعزموا على العود إلى غزنة ونهبها، فسمع أهلها بذلك، فقصدوا القاضي سعيد بن مسعود وشكوا إليه حالهم، فمشى إلى وزير علاء الدين المعروف بالصاحب، وأخبره بحال الناس، فطيب قلوبهم، وأخبرهم غيره ممن يثقون به أنهم مجمعون على النهب، فاستعدوا وضيقوا أبواب الدروب والشوارع، وأعدوا العرادات والأحجار، وجاءت التجار من العراق، والموصل، والشام، وغيرها، وشكوا إلى أصحاب السلطان، فلم يشكهم أحد، فقصدوا دار مجد الدين بن الربيع، رسول الخليفة، واستغاثوا به، فسكنهم، ووعدهم الشفاعة فيهم وفي أهل البلد، فأرسل إلى أمير كبير من الغورية يقال له سليمان بن سيس، وكان شيخاً كبيراً يرجعون إلى قوله، يعرفه الحال، ويقول له ليكتب إلى علاء الدين وأخيه يتشفع في الناس، ففعل، وبالغ في الشفاعة، وخوفهم من أهل البلد إن أصروا على النهب، فأجابوه إلى العفو عن الناس بعد مراجعات كثيرة.
وكانوا قد وعدوا من معهم من العساكر بنهب غزنة، فعوضوهم من الخزانة، فسكن الناس، وعاد العسكر إلى غزنة أواخر ذي القعدة ومعهم الخزانة التي أخذها الدز من مؤيد الملك لما عاد ومعه شهاب الدين قتيلاً، فكانت مع ما أضيف إليها من الثياب والعين تسع مائة حمل، ومن جملة ما كان فيها من الثياب الممزج، المنسوج بالذهب، اثنا عشر ألف ثوب.
وعزم علاء الدين أن يستوزر مؤيد الملك، فسمع أخوه جلال الدين، فأحضره وخلع عليه، على كراهة منه للخلعة، واستوزره؛ فلما سمع علاء الدين بذلك قبض على مؤيد الملك، وقيده، وحبسه، فتغيرت نيات الناس، واختلفوا، ثم إن علاء الدين وجلال الدين اقتسما الخزانة، وجرى بينهما من المشاحنة في القسمة ما لا يجري بين التجار، فاستدل بذلك الناس على أنهما لا يستقيم لهما حال لبخلهما، واختلافهما، وندم الأمراء على ميلهم إليهما، وتركهم غياث الدين مع ما ظهر من كرمه وإحسانه.
ثم إن جلال الدين وعمه عباساً سارا في بعض العسكر إلى باميان، وبقي علاء الدين بغزنة، فأساء وزيره عماد الملك السيرة مع الأجناد والرعية، ونهبت أموال الأتراك، حتى إنهم باعوا أمهات أولادهم وهن يبكين ويصرخن ولا يلتفت إليهن.

.ذكر عود الدز إلى غزنة:

لما سار جلال الدين عن غزنة، وأقام بها أخوه علاء الدين، جمع الدز ومن معه من الأتراك عسكرًاً كثيراً وعادوا إلى غزنة، فوصلوا إلى كلوا فملكوها وقتلوا جماعة من الغورية، ووصل المنهزمون منها إلى كرمان، فسار الدز إليهم، وجعل على مقدمته مملوكاً كبيراً من مماليك شهاب الدين، اسمه أي دكز التتر، في ألفي فارس من الخلج والأتراك والغز والغورية وغيرهم.
وكان بكرمان عسكر لعلاء الدين مع أمير يقال له ابن المؤيد، ومعه جماعة من الأمراء، منهم أبو علي بن سليمان بن سيس، وهو وأبوه من أعيان الغورية، وكانا مشتغلين باللعب واللهو والشرب، لا يفتران عن ذلك، فقيل لهما: إن عسكر الأتراك قد قربوا منكم؛ فلم يلتفتا إلى ذلك، ولا تركا منا كانا عليه، فهجم عليهم أي دكز التتر ومن معه من الأتراك، فلم يمهلهم يركبون خيولهم، فقتلوا عن آخرهم، منهم من قتل في المعركة، ومنهم من قتل صبراً، ولم ينج إلا من تركه الأتراك عمداً.
ولما وصل الدز فرأى أمراء الغورية كلهم قتلى قال: كل هؤلاء قاتلونا؟ فقال أي دكز التتر: لا بل قتلناهم صبراً؛ فلامه على ذلك، ووبخه، وأحضر رأس ابن المؤيد بين يديه، فسجد شكراً لله تعالى، وأمر بالمقتولين فغسلوا ودفنوا، وكان في جملة القتلى أبو علي بن سليمان بن سيس.
ووصل الخبر إلى غزنة في العشرين من ذي الحجة من هذه السنة، فصلب علاء الدين الذي جاء بالخبر، فتغميت السماء، وجاء مطر شديد خرب بعض غزنة، وجاء بعه برد كبار مثل بيض الدجاج، فضج الناس إلى علاء الدين بإنزال المصلوب، فأنزله آخر النهار، فانكشفت الظلمة، وسكن ما كانوا فيه.
وملك الدز كرمان، وأحسن إلى أهلها، وكانوا في ضر شديد مع أولئك.
ولما صح الخبر عند علاء الدين أرسل وزيره الصاحب إلى أخيه جلال الدين في باميان يخبره بحال الدز، ويستنجده، وكان قد أعد العساكر ليسير إلى بلخ يرحل عنها خوارزم شاه، فلما أتاه هذا الخبر ترك بلخ وسار إلى غزنة، وكان أكثر عسكره من الغورية قد فارقوه، وفارقوا أخاه، وقصدوا غياث الدين، فلما كان أواخر ذي الحجة وصل الدز إلى غزنة، ونزل هو وعسكره بإزاء قلعة غزنة، وحصر علاء الدين، وجرى بينهم قتال شديد، وأمر الدز فنودي في البلد بالأمان، وتسكين الناس من أهل البلد، والغورية، وعسكر باميان، وأقام الدز محاصراً للقلعة، فوصل جلال الدين في أربعة آلاف من عسكر باميان وغيرهم، فرحل الدز إلى طريقهم، وكان مقامه إلى أن سار إليهم أربعين يوماً، فلما سار الدز سير علاء الدين من كان عنده من العسكر، وأمرهم أن يأتوا الدز من خلفه، ويكون أخوه من بين يديه، فلا يسلم من عسكره أحد. فلما خرجوا من القلعة سار سليمان بن سيس الغوري إلى غياث الدين بفيروزكوه، فلما وصل إليه أكرمه وعظمه، وجعله أمير داذ فيروزكوه، وكان ذلك في صفر سنة ثلاث وستمائة.
وأما الدز فإنه سار إلى طريق جلال الدين، فالتقوا بقرية بلق، فاقتتلوا قتالاً صبروا فيه، فانهزم جلال الدين وعسكره، وأخذ جلال الدين أسيراً، وأتى به إلى الدز، فلما رآه ترجل وقبل يده، وأمر الاحتياط عليه، وعاد إلى غزنة وجلال الدين معه وألف أسير من الباميانية، وغنم أصحابه أموالهم.
ولما عاد إلى غزنة أرسل إلى علاء الدين يقول له ليسلم القلعة إليه، وإلا قتل من عنده من الأسرى، فلم يسلمها، فقتل منهم أربع مائة أسير بإزاء القلعة، فلما رأى علاء الدين ذلك أرسل مؤيد الملك يطلب الأمان، فأمنه الدز، فلما خرج قبض عليه ووكل به وبأخيه من يحفظهما، وقبض على وزيره عماد الملك لسوء سيرته، وكان هندوخان بن ملكشاه بن خوارزم شاه تكش مع علاء الدين بقلعة غزنة، فلما خرج منها قبض عليه أيضاً، وكتب إلى غياث الدين بالفتح، وأرسل إليه الأعلام وبعض الأسرى.

.ذكر قصد صاحب مراغة وصاحب إربل أذربيخان:

في هذه السنة اتفق صاحب مراغة، وهو علاء الدين، هو ومظفر الدين كوكبري، صاحب إربل، على قصد أذربيجان وأخذها من صاحبها أبي بكر بن البهلوان، لاشتغاله بالشرب ليلاً ونهاراً، وتركه النظر في أحوال المملكة، وحفظ العساكر والرعايا، فسار صاحب إربل إلى مراغة، واجتمع هو وصاحبها علاء الدين، وتقدما نحو تبريز، فلا علم صاحبها أبو بكر أرسل إلى إيدغمش، صاحب بلاد الجبل، همذان وأصفهان والري وما بينها من البلاد، وهو مملوك أبيه البهلوان، وهو في طاعة أبي بكر، إلا أنه قد غلب على البلاد، فلا يلتفت إلى أبي بكر، فأرسل إليه أبو بكر يستنجده، ويعرفه الحال، وكان حينئذ ببلد الإسماعيلية، فلما أتاه الخبر سار إليه في العساكر الكثيرة.
فلما حضر عنده أرسل إلى صاحب إربل يقول له: إننا كنا نسمع عنك أنك تحب أهل العلم والخير وتحسن إليهم، فكنا نعتقد فيك الخير والدين، فلما كان الآن ظهر لنا منك ضد ذلك لقصدك بلاد الإسلام، وقتال المسلمين، ونهب أموالهم، وإثارة الفتنة، فإذا كنت كذلك فما لك عقل؛ تجيء إلينا، وأنت صاحب قرية، ونحن لنا من باب خراسان إلى خلاط وإلى إربل، واحسب أنك هزمت هذا، أما تعلم أن له مماليك، أنا أحدهم، ولو أخذ من كل قرية شحنة، أو من كل مدينة عشرة رجال، لاجتمع له أضعاف عسكر، فالمصلحة أنك ترجع إلى بلدك؛ وإنما أقول لك هذا إبقاء عليك.
ثم سار نحوه عقيب هذه الرسالة، فلما سمعها مظفر الدين وبلغه مسير إيدغمش عزم على العود؛ فاجتهد به صاحب مراغة ليقيم بمكانه، ويسلم عسكره إليه، وقال له: إنني قد كاتبني جميع أمرائه ليكونوا معي إذا قصدتهم؛ فلم يقبل مظفر الدين من قوله، وعاد إلى بلده، وسلك الطريق الشاقة، والمضايق الصعبة، والعقاب الشاهقة، خوفاً من الطلب.
ثم سار نحوه عقيب هذه الرسالة، فلما سمعها مظفر الدين وبلغه مسير إيدغمش عزم على العود، فاجتهد به صاحب مراغة ليقيم بمكانه، ويسلم عسكره إليه، وقال له: إنني قد كاتبني جميع أمرائه ليكونوا معي إذا قصدتهم؛ فلم يقبل مظفر الدين من قوله، وعاد إلى بلده، وسلك الطريق الشاقة، والمضايق الصعبة، والعقاب الشاهقة، خوفاً من الطلب.
ثم إن أبا بكر وإيدغمش قصد مراغة وحصراها، فصالحهما صاحبها على تسليم قلعة من حصونه إلى أبي بكر، وهي كانت سبب الاختلاف، وأقطعه أبو بكر مدينتي أستوا وأرمية وعاد عنه.

.ذكر الغارة من ابن ليون على أعمال حلب:

وفي هذه السنة توالت الغارة من ابن ليون الأرمني، صاحب الدروب، على ولاية حلب، فنهب، وحرق، وأسر، وسبى، فجمع الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف، صاحب حلب، عساكره، واستنجد غيره من الملوك، فجمع كثيراً من الفارس والراجل، وسار عن حلب نحو ابن ليون.
وكان ابن ليون قد نزل في طرف بلاده مما يلي بلد حلب، فليس إليه طريق، لأن جميع بلاده لا طريق إليها إلا من جبال وعرة، ومضايق صعبة، فلا يقدر غيره على الدخول إليها، لا سيما من ناحية حلب، فإن الطريق منها متعذر جداً، فنزل الظاهر على خمسة فاراسخ من حلب، وجعل على مقدمته جماعة من عسكره مع أمير كبير من مماليك أبيه، يعرف بميمون القصري، ينسب إلى قصر الخلفاء العلويين بمصر، لأن أباه منهم أخذه، فأنفذ الظاهرة ميرة وسلاحاً إلى حصن له مجاور لبلاد ابن ليون، اسمه دربساك، وأنفذ إلى ميمون ليرسل طائفة من العسكر الذين عنده إلى طريق هذه الذخيرة ليسيروا معها إلى دربساك، ففعل ذلك، وسير جماعة كثيرة من عسكره، وبقي في قلة، فبلغ الخبر إلى ابن ليون، فجد، فوافاه وهو مخف من العسكر، فقاتله، واشتد القتال بينهم، فأرسل ميمون إلى الظاهر يعرفه، وكان بعيداً عنه، فطالت الحرب بينهم، وحمى ميمون نفسه وأثقاله على قلة من المسلمين وكثرة من الأرمن، فانهزم المسلمون، ونال العدو منهم، فقتل وأسر، وكذلك أيضاً فعل المسلمون بالأرمن من كثرة القتل.
وظفر الأرمن بأثقال المسلمين فغنموها وساروا بها، فصادفهم المسلمون الذين كانوا قد ساروا مع الذخائر إلى دربساك، فلم يشعروا بالحال، فلم يرعهم إلا العدو وقد خالطهم ووضع السيف فيهم، فاقتتلوا أشد قتال، ثم انهزم المسلمون أيضاً، وعاد الأرمن إلى بلادهم بما غنموا واعتصموا بجبالهم وحصونهم.

.ذكر نهب الكرج أرمينة:

في هذه السنة قصدت الكرج في جموعها ولاية خلاط من أرمينية، ونهبوا، وقتلوا، وأسروا وسبوا أهلها كثيراً، وجاسوا خلال الديار آمنين، ولم يخرج إليهم من خلاط من يمنعهم فبقوا متصرفين في النهب والسبي، والبلاد شاغرة لا مانع لها، لأن صاحبها صبي، والمدبر لدولته ليست له تلك الطاعة على الجند.
فلما اشتد البلاء على الناس تذامروا، وحرض بعضهم بعضاً، واجتمعت العساكر الإسلامية التي بتلك الولاية جميعها، وانضاف إليهم من المتطوعة كثير، فساروا جميعهم نحو الكرج وهم خائفون، فرأى بعض الصوفية الأخيار الشيخ محمداً البستي، وهو من الصالحين، وكان قد مات، فقال له الصوفي: أراك ها هنا؟ فقال: جئت لمساعدة المسلمين على عدوهم. فاستيقظ فرحاً بمحل البستي من الإسلام، وأتى إلى مدبر العسكر، والقيم بأمره، وقص عليه رؤياه، ففرح بذلك، وقوي عزمه على قصد الكرج، وسار بالعساكر إليهم فنزل منزلاً.
فوصلت الأخبار إلى الكرج؛ فعزموا على كبس المسلمين، فانتقلوا من موضعهم بالوادي إلى أعلاه، فنزلوا فيه ليكبسوا المسلمين إذا أظلم الليل، فأتى المسلمين الخبر، فقصدوا الكرج وأمسكوا عليهم رأس الوادي وأسفله، وهو واد ليس إليه غير هذين الطريقين، فلما رأى الكرج ذلك أيقنوا بالهلاك، وسقط في أيديهم، وطمع المسلمون فيهم، وضايقوهم، وقاتلوهم، فقتلوا منهم كثيراً، وأسروا مثلهم، ولم يفلت من الكرج إلا القليل، وكفى الله المسلمين شرهم بعد أن كانوا أشرفوا على الهلاك.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة، في جمادى الآخرة، توفي الأمير طاشتكين مجير الدين، أمير الحاج، بتستر، وكان قد ولاه الخليفة على جميع خوزستان، وكان أمير الحاج سنين كثيرة، وكان خيراً صالحاً، حسن السيرة، كثير العبادة، بتشيع.
ولما مات ولى الخليفة على خوزستان مملوكه سنجر، وهو صهر طاشتكين زوج ابنته.
وفيها قتل سنجر بن مقلد بن سليمان بن مهارش، أمير عبادة، بالعراق. وكان سبب قتله أنه سعى بأبيه مقلد إلى الخليفة الناصر لدين الله، فأمر بالتوكيل على أبيه، فبقي مدة ثم أطلقه الخليفة، ثم إن سنجر قتل أخاً له اسمه... فأوغر بهذه الأسباب صدور أهله وإخوته، فلما كان هذه السنة في شعبان نزل بأرض المعشوق، وركب في بعض الأيام، ومعه إخوته وغيرهم من أصحابه، فلما انفرد عن أصحابه ضربه أخوه علي بن مقلد بالسيف فسقط إلى الأرض، فنزل إخوته إليه فقتلوه.
وفيها تجهز غياث الدين خسروشاه، صاحب مدينة الروم، إلى مدينة طرابزون، وحصر صاحبها لأنه كان قد خرج عن طاعته، فضيق عليه. فانقطعت لذلك الطرق من بلاد الروم، والروس، قفجاق وغيرها، براً وبحراً، ولم يخرج منهم أحد إلى بلاد غياث الدين، فدخل بذلك ضرر عظيم على الناس، لأنهم كانوا يتجرون معهم، ويدخلون بلادهم، ويقصدهم التجار من الشام، والعراق، والموصل، والجزيرة وغيرها، فاجتمع منهم بمدينة سيواس خلق كثير، فحيث لم ينفتح الطريق تأذوا أذى كثيراً، فكان السعيد منهم من عاد إلى رأس ماله.
وفيها تزوج أبو بكر بن البهلوان، صاحب أذربيجان وأران، بابنة ملك الكرج، وسبب ذلك أن الكرج تابعة الغارات منهم على بلاده لما رأوا من عجزه وانهماكه في الشرب واللعب وما جانسهما، وإعراضه عن تدبير الملك وحفظ البلاد، فلما رأى هو أيضاً ذلك، ولم يكن عنده من عدل إلى الذب عنها بأيره، فخطب ابنة ملكهم، فتزوجها، فكف الكرج عن النهب والإغارة والقتل، فكان كما قيل: أغمد سيفه، وسل أيره.
وفيها حمل إلى أزبك خروف وجهه صورة آدمي، وبدنه بدن خروف، وكان هذا من العجائب.
وفيها توفي القاضي أبو حامد محمد بن المانداي الوسطي بها.
وفيها، في شوال، توفي فخر الدين مبارك شاه بن الحسن المروروذي، وكان حسن الشعر بالفارسية والعربية، وله منزلة عظيمة عند غياث الدين الكبير، صاحب غزنة وهراة وغيرهما، وكان له دار ضيافة، فيها كتب وشطرنج، فالعلماء يطالعون الكتب، والجهال يلعبون بالشطرنج.
وفيها، في ذي الحجة توفي أبو الحسن علي بن علي بن سعادة الفارقي، الفقيه الشافعي، ببغداد، وبقي مدة طويلة معيداً بالنظامية، وصار مدرساً بالمدرسة التي أحدثتها أم الخليفة الناصر لدين الله، وكان مع علمه صالحاً، طلب للنيابة في القضاء ببغداد، فامتنع فألزم بذلك، فوليه يسيراً، ثم في بعض الأيام مشى إلى جامع ابن المطلب، فنزل، ولبس مئزر صوف غليظ، وغير ثيابه، وأمر الوكلاء وغيرهم بالانصراف عنه، وأقام به حتى سكن الطلب عنه، وعاد إلى منزله بغير ولاية.
وفيها وقع الشيخ أبو موسى المكي، المقيم بمقصورة جامع السلطان ببغداد، من سطح الجامع، فمات، وكان رجلاً صالحاً كثير العبادة.
وفيها أيضاً توفي العفيف أبو المكارم عرفة بن علي بن بصلا البندنيجي ببغداد، وكان رجلاً صالحاً، منقطعاً إلى العبادة، رحمه الله. ثم دخلت: